الذكاء الاصطناعي- نعمة أم نقمة على العقل البشري والتعليم؟
المؤلف: بشرى فيصل السباعي09.27.2025

كشفت دراسة مشتركة بين شركة مايكروسوفت وجامعة كارنيغي ميلون الأمريكية، شملت أكثر من 300 موظف في مهام معرفية، عن تأثير بالغ لاستخدام الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل. توصلت الدراسة إلى انخفاض ملحوظ في الجهد الذهني المبذول من قبل المشاركين، حيث اقتصر دورهم في الغالب على مراجعة وتحقيق دقة النتائج التي يولدها الذكاء الاصطناعي، بدلاً من معالجة المهام المعقدة بأنفسهم. هذه النتيجة بمثابة تحذير مبكر حول التداعيات المحتملة لانتشار أدوات الذكاء الاصطناعي على نطاق أوسع، إذ يتزايد اعتماد الطلاب عليها في إنجاز واجباتهم الدراسية. هذا الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي، على الرغم من تسهيله إنجاز المهام، ينطوي على آثار سلبية على الكفاءة الذهنية للأفراد. فقد أظهرت الدراسات الطبية أن القدرات العقلية للإنسان تتدهور مع التقدم في العمر، وأن ممارسة الأنشطة التي تتطلب تفكيراً عميقاً تمثل خط الدفاع الوحيد ضد هذا التدهور.
واستعانة الطلاب بأدوات الذكاء الاصطناعي في حل الواجبات المدرسية تعني ضمناً تقليل الجهد المطلوب لمراجعة الدروس والمذاكرة، مما يؤدي إلى تراجع المستوى المعرفي والتأثير سلباً على العملية التعليمية بأكملها. قد يدفع هذا الوضع المعلمين إلى مطالبة الطلاب بحل الواجبات داخل الفصول لضمان عدم استعانةهم بالذكاء الاصطناعي. وقد واجه المعلمون سابقاً تحدياً مماثلاً تمثل في منع استخدام الآلات الحاسبة في الاختبارات لإجبار الطلاب على إجراء العمليات الحسابية بأنفسهم. لم يتم أخذ هذا التأثير السلبي المحتمل للذكاء الاصطناعي في الاعتبار بشكل كافٍ ضمن التيار الذي تبنى موقفاً مناهضاً له، والذي حذر من مخاطره المتمحورة أساساً حول تطوره واستقلاليته عن البشر وخروجه عن سيطرتهم.
إن الضرر الأكثر واقعية للذكاء الاصطناعي يتمثل في جعله الأفراد يعتمدون عليه بشكل كبير في إنجاز جميع المهام التي تتطلب نشاطاً ذهنياً معقداً. هذا الاعتماد يثير تساؤلات جوهرية حول الغاية من العمل في الأصل. فالغاية من وجود الإنسان في عالم يتطلب منه العمل من أجل البقاء هو تطوير ذاته ووعيه وإمكاناته وقدراته ومواهبه، لأن هذا التطور هو ما سيرافقه في رحلته. لذلك، يحتاج الإنسان إلى القيام بالمهام المعقدة بنفسه لتحقيق هذه الغاية. ومن يستوعب هذه الغاية، سيجعل من أولوياته عدم الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي.
إلا أنه بغض النظر عن هذا الوازع الشخصي، من المتوقع أن تسود حالة من الفوضى في مختلف القطاعات، خاصة التعليم، نتيجة للاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، وذلك حتى يتم وضع ضوابط لاستخدامه في المجالات المختلفة وتطوير برامج رقابية قادرة على كشف الأعمال التي تم فيها الاستعانة بالذكاء الاصطناعي.
علاوة على ذلك، يكمن خطر آخر لتوظيف الذكاء الاصطناعي في إمكانية تسببه في إلغاء العديد من الوظائف، تماماً كما فعلت الآلات في المصانع. هذا التطور لا يمكن إيقافه، ولذا يجب التكيف معه. سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تغيير متطلبات سوق العمل، وسيصبح له نصيب الأسد في مجالات الدراسة. ومع ذلك، كلما تطور الذكاء الاصطناعي، سيزداد الاستغناء عن البشر في إدارته، ليقوم بإدارة نفسه بنفسه. لهذا السبب، فإن التيار الذي يحذر من خطورة الذكاء الاصطناعي قد يكون محقاً في بعض تخوفاته بشأن عواقبه بعيدة المدى.
غير أن "الجني قد خرج من القمقم"، ولا يمكن إعادته إليه مجدداً، مهما صدرت تحذيرات بشأن الذكاء الاصطناعي، خاصة مع السباق المحموم بين دول العالم وأصحاب الثروات لتطوير أذكى ذكاء اصطناعي. هذا السباق لا يترك مجالاً للتيار المناهض للذكاء الاصطناعي لتدارك الآثار السلبية لتوظيفه. في نهاية المطاف، سيكون الذكاء الاصطناعي أذكى من جميع البشر، وبالتالي سيتمكن من إنجاز مهام تفوق قدرة البشر. قد يتمكن من التوصل إلى علاج للسرطان وغيره من الأمراض المستعصية في فترات قياسية، وقد أثبتت الدراسات أنه يتفوق على الأطباء في التشخيص.